فصل: بيعة محمد بن جعفر بمكة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.بيعة محمد بن جعفر بمكة.

هو محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ويلقب الديباجة وكان عالما زاهدا ويروي عن أبيه وكان الناس يكتبون عنه ولما ملك الحسين الأفطس مكة كما ذكرناه عاث فيها ونزع كسوة الكعبة وكساها بأخرى من الغد أنفذها أبو السرايا من الكوفة وتتبع ودائع بني العباس وجعلها ذريعة لأخذ أموال الناس فخرجوا من مكة وقلع أصحابه شبابيك الحرم وقلع ما على الأساطين من الذهب واستخرج ما كان في الكعبة من المال فقسمه في أصحابه وساء أثره في الناس فلما قتل أبو السرايا تنكروا له فخشى على نفسه فجاء إلى محمد بن جعفر ليبايع له بالخلافة فلم يزل به هو وابنه حسن واستعانا عليه بابنه علي حتى بايعوه ودعوه بأمير المؤمنين واستبد عليه ابنه علي وابن الأفطس بأسوا مما كان قبل وأفحشوا في الزنا واللواط واغتصاب النساء والصبيان فاجتمع الناس على خلع محمد بن جعفر أو يرد إليهم ابن القاضي كان مغتصبا ببيت ابنه علي فاستأمنهم حتى ركب إلى بيت ابنه وسلم إليهم الغلام وجاء إسحق بن موسى بن عيسى من اليمن فاجتمع الناس وخندقوا مكة وقاتلهم إسحق وامتنعوا عليه فسار نحو العراق ولقي الجند الذين بعثهم هرثمة إلى مكة مع الجلودي ورجاء بن جميل وهو ابن عم الحسين بن سهل فرجع بهم وقاتل الطالبيين فهزمهم وافترقوا واستأمن إليه محمد بن جعفر فأمنه وملك مكة وسار محمد ابن جعفر إلى الجحفة ثم إلى بلاد جهينة فجمع وقاتل هرون بن المسيب والي المدينة فانهزم محمد وفقئت عينه وقتل خلق من أصحابه ورجع إلى موضعه ولما انقضى الموسم استأمن الجلودي ورجاء بن جميل فأمناه ودخل مكة وخطب واعتذار عما فعله بأنه بلغه موت المأمون ثم صح أنه حي وخلع نفسه وسار إلى الحسن والي المأمون بمرو فلم يزل عنده إلى أن سار المأمون إلى العراق فمات بجرجان في طريقه.

.مقتل هرثمة.

لما فرغ هرثمة من أبي السرايا رجع وكان الحسن بن سهل بالمدائن فلم يعرج عليه وسار على عقرقوبا إلى النهروان قاصدا خراسان ولقيته كتب المأمون متلاحقة أن يرجع إلى الشام والحجاز فأبى إلا لقاءه دالة عليه بما سبق له من نصحه له ولآبائه وكان قصد أن يطلع المأمون على حال الفضل بن سهل في طيه لأخبار عنه وما عند الناس من القلق بذلك وباستبداده عليه ومقامه بخراسان وعلم الفضل بذلك فأغرى به المأمون وألقي إليه أنه سلط أبا السرايا وهو من جنده وقد خالف كتبك وجاء معاندا سيئ القالة وإن سومح في ذلك اجترأ غيره فسخطه المأمون وبقي في انتظاره ولما بلغ مرو قرع طبوله يسمعها لئلا يطوى خبره عن المأمون وسأل المأمون عنها فقيل هرثمة أقبل يرعد ويبرق فاستدعاه وقال هرثمة مالأت العلويين وأبا السرايا ولو شئت أهلاكهم جميعا لفعلت فذهب يعتذر فلم يمهله وأمر فربس بطنه وشدخ أنفه وسحب إلى السجن ثم دس إليه من قتله.

.انتقاض بغداد على الحسن بن سهل.

ولما بلغ خبر هرثمة إلى العراق كتب الحسن بن سهل إلى علي بن هشام والي بغداد من قبله أن يتعلل على الجند الحربية والبغداديين في أرزاقهم لأنه كان بلغه عنهم قبل مسير هرثمة أنهم عازمون على خلعه وطرد عماله وولوا عليهم إسحق بن الهادي خليفة المأمون فلم يزل الحسين يتلطف إليهم ويكاتبهم حتى اختلفوا فأنزل علي بن هشام ومحمد ابن أبي خالد جانبيها وزهير بن المسيب في الجانب الآخر وقاتلوا الحربية ثلاثة أيام ثم صالحهم على العطاء وشرع فيه وكان زيد بن موسى ابن جعفر قد أخذه علي بن أبي سعيد من البصرة وحبسه كما ذكرناه قبل فهرب من محبسه وخرج بناحية الأنبار ومعه أخ لأبي السرايا ثم تلاشى أمره وأخذوا إلى علي بن هشام ثم جاء خبر هرثمة وقد انتقض محمد بن أبي خالد على علي بن هشام بما كان يستحق به وغضب يوما مع زهير بن المسيب فقنعه بالسوط فسار إلى الحربية ونصب لهم الحرب انهزم علي بن هشام إلى صرصر وقيل إن ابن هشام أقام الحد على عبد الله بن علي بن عيسى فغضب الحربية وأخرجوه واتصل ذلك بالحسن بن سهل وهو بالمدائن كما قلناه فانهزم إلى واسط أول سنة احدى ومائتين والفضل بن الربيع وقد ظهر من اختفائه من لدن الأمين وجاء عيسى بن محمد بن أبي خالد من الرقة من عند طاهر فاجتمع هو وأبوه على قتال الحسن وهزموا كل من تعرض للقائهم من أصحابه وكان زهير بن المسيب عاملا للحسن على جوخى من السواد وكان يكاتب بغداد فركب إليه محمد بن أبي خالد وأخذه أسيرا وانتهب ماله وحبسه ببغداد عند ابنه جعفر ثم تقدم إلى واسط وبعثه ابنه هرون إلى النيل فهزم نائب الحسن بها إلى الكوفة فلحق بواسط ورجع هرون إلى أبيه وتقدم نحو واسط فسار الحسن عنها وأقام الفضل بن الربيع مختفيا بها واستأمن لمحمد وبعثه إلى بغداد وسار إلى الحسن على البقية عساكر الحسن وقواده وانهزم محمد وأصحابه وتبعهم الحسن إلى تمام الصلح ثم لحقوا بجرجايا ووجه محمد ابن ابنه هرون إلى فأقام بها وسار محمد ابن ابنه أبورتيل وهو جريح إلى بغداد فمات بها ودفن في داره سرا ومحمد أبو رتيل إلى زهير بن المسيب فقتله من ليلته وقام خزيمة بن خازم بأمر بغداد وبعث إلى عيسى بن محمد بأن يتولى حرب الحسن مكان أبيه وبلغ الحسن موت محمد فبعث عسكره إلى هرون بالنيل فغلبوا وانتهبوها ولحق هرون بالمدائن ثم اجتمع أهل بغداد وأرادوا منصور بن المهدي على الخلافة فأبى فجعلوه خليفة للمأمون ببغداد والعراق انحرافا عن الحسن ابن سهل وقيل إن الحسن لما ساعد أهل بغداد عيسى بن محمد بن أبي خالد على حربه خام عنه فلاطفه ووعده بالمصاهرة ومائة ألف دينار والأمان له ولأهل بيته ولأهل بغداد وولاية النواحي فقبل وطلب المأمون بذلك وكتب إلى أهل بغداد إني شغلت بالحرب عن جباية الخراج فولوا رجلا من بني هاشم فولوا المنصور بن المهدي وأحصى عيسى أهل عسكره فكانوا مائةألف وخمسة وعشرين ألفا وبعث منصور غسان بن الفرج إلى ناحية الكوفة فغزاه حميد الطوسي من قواد الحسن بن سهل وأخذ أسيرا ونزل النيل فبعث منصور بن محمد يقطين في العساكر إلى حميد فلقيه حميد بكونا فهزمه وقتل من أصحابه ونهب ما حول كوثا ورجع إلى النيل وأقام ابن يقطين بصرصر.